سورة النبأ - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النبأ)


        


{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10)}
{وَجَعَلْنَا اليل} الذي يقع فيه النوم غالبًا {لِبَاسًا} يستركم بظلامه كما يستركم اللباس ولعل المراد بهذا اللباس المشبه به ما يستتر به عند النوم من اللحاف ونحوه فإن شبه الليل به أكمل واعتباره في تحقيق المقصد ادخل واختار غير واحد إرادة الأعم وإن المعنى جعلناه ساترًا لكم عن العيون إذا أردتم هربًا من عدو أو بياتًا له أو خفاه ما لا تحبون الإطلاع عليه من كثير من الأمور وقد عد المتنبي من نعم الليل البيات على الأعداء والفوز بزيارة المحبوب واللقاء مكذبًا ما اشتهر من مذهب المانوية من أن الخير منسوب إلى النور والشر إلى الظلمة بالمعنى المعروف فقال:
وكم لظلام الليل عندي من يد *** تخبر أن المانوية تكذب
وقاك ردى الأعداء تسري إليهم *** وزارك فيه ذو الدلال المحجب
وقال بعضهم يمكن أن يحمل كون الليل كاللباس على كونه كاللباس لليوم في سهولة أخراجه ومنه ولا يخفى بعده ومما يقضي منه العجب استدلال بعضهم بهذه الآية على أن من صلى عريانًا في ليل أو ظلمة فصلاته صحيحة ولعمري لقد أتى بعري عن لباس التحقيق على من أرشق عليه ضياء الحق الحقيق.


{وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11)}
{وَجَعَلْنَا النهار مَعَاشًا} مصدر ميمي عنى العيش وهو الحياة المختصة بالحيوان على ما قال الراغب دون العامة لحياة الملك مثلًا ووقع هنا ظرفًا كما قيل في نحو أتيتك خفوق النجم وطلوع الفجر وجوز أن يكون اسم زمان وتعقب بأنه لم يثبت مجيئه كذلك في اللغة والمعنى وجعلنا النها روقت معاش أي حياة تبعثون فيه من نومكم الذي هو أخو الموت وكأنه لما جعل سبحانه النوم موتًا مجازًا جعل جل شأنه اليقظة معاشًا كذلك لكن أوثر النهار ليناسب المتوسط وقيل المعنى وجعلنا النهار وقت معاض تتقلبون فيه لتحصيل ما تعيشون به وهو أنسب بجعل السبات فيما تقدم عنى القطع عن الحركة على ما قيل ولا يخفى حسن ذكر جعل الليل لباسًا بعد جعل النوم سباتًا وهو مشير إلى حكمة جعل النوم ليلًا أيضًا لأن النائم معطل الحواس فكان محتاجًا لساتر عما يضره فهو أحوج ما يكون للدثار وضرب خيام الاستتار وفي الكشف أن المطابقة بين قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا اليل لِبَاسًا} [النبأ: 10] وقوله سبحانه: {وَجَعَلْنَا النهار مَعَاشًا} مصرحة وفيه مطابقة معنوية أيضًا مع قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا} من حيث أن النهار وقت اليقظة والمعاش في مقابلة السبات لأنه حركة الحي ومنه علم أن قوله تعالى: {سُبَاتًا وَجَعَلْنَا اليل لِبَاسًا} غير مستطرد ووجه النظم أنه لما ذكر خلقهم أزواجًا استوفى أحوالهم مقترنين ومفترقين اه وفيه تعريض بالطيبي حيث زعم الاستطراد إذا أريد بالمعاش اليقظة وبالسبات الموت.


{وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12)}
{وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا} أي سبع سموات قوية الخلق محكمة لا يسقط منها ما يمنعكم المعاش والتعبير عن خلقها بالبناء للإشارة إلى تشبيهًا بالقباب المبنية على سكنتها وقيل للإشارة إلى أن خلقها على سبيل التدريج وليس بذاك وفيه أن السماء خيمية لا سطح مستو وفي الآثار ما يشهد له ولا يأباه جعلها سقفًا في آية أخرى وقد صح في العرش ما يشهد بخيمية أيضًا والفلاسفة السالفون على استدارتها ويطلقون عليها اسم الفلك واستدلوا على ذلك حسب أصولهم بعد الاستدلال على استدارة السطح الظاهر من الأرض ولا يكاد يتم لهم دليل عليه قالوا الذي يدل على استدارة السماء هو أنه متى قصدنا عدة مساكن على خط واحد من عرض الأرض وحصلنا الكواكب المارة على سمت الرأس في كل واحدة منها ثم اعتبرنا أبعاد ممرات تلك الكواكب في دائرة نصف النهار بعضها من بعض وجدناها على نسب المسافات الأرضية بين تلك المساكن. كذلك وجدنا ارتفاع القطب فيها متفاضلًا ثل تلك النسب فتحدب السماء في العرض مشابه لتحدب الأرض فيه لكن هذا التشابه موجود في كل خط من خطوط العرض وكذا في كل خط من خطوط الطول فسطح السماء بأسره مواز لسطح الظاهر من الأرض بأسره وهذا السطح مستدير حسًا فكذا سطح السماء الموازي له وأيضًا أصحاب الأرصاد دونوا مقادير أجرام الكواكب وإبعاد ما بينها في الأماكن المختلفة في وقت واحد كما في إنصاف نهار تلك الأماكن مثلًا متساوية وهذا يدل على تساوي إبعاد مراكز الكواكب عن منظر الأبصار المستلزم لتساوي أبعادها عن مركز العالم لاستدارة الأرض المستلزم لكون السماء كرية وزعموا أن هذين أقرب ما يتمسك بهما في الاستدارة من حيث النظر التعليمي وفي كل مناقشة أما الثاني فالمناقشة فيه أنه إنما يصح لو كان الفلك عندهم ساكنًا والكوكب متحركًا إذ لو كان السماء متحركًا جاز أن يكون مربعًا ويكون مساواة أبعاد مراكز الكواكب عن مناظر الأبصار وتساوي مقادير الأجرام للكواكب حاصلًا وأما الأول: فالمناقشة فيه أنه إنما يصح لو كان الاعتدال المذكور موجودًا في كل خط من خطوط الطول والعرض وهو غير معلوم وأما غير ماذكر من أدلتهم فمذكور مع ما فيه في نهاية الإدراك في دراية الأفلاك فارجع إليه إن أردته بقي هاهنا بحث وهو أن العطف إذا كان على الفعل المنفي بلم داخلًا في حكمه يلزم أن يكون بناه سبع سموات شداد فوق معلومًا للمخاطبين وهم مشركو مكة المنكرون للبعث كما سمعت ليتأتى تقريرهم به كسائر الأمور السابقة واللاحقة فيقال إن كون السموات سبعًا مما لا يدرك بالكمشاهدة وهم المكذبون بالنبي صلى الله عليه وسلم فلا يصدقونه ثل ذلك مما معرفته بحسب الظاهر إنما هي من طريق الوحي وأجيب بأنهم علموا ذلك بواسطة مشاهدتهم اختلاف حركات السيارات السبع مع اختلاف أبعادها بعضها عن بعض وذلك أنهم علموا السيارات واختلاف حركاتها وعلموا أن بعضها فوق بعض لخسف بعضها بعضًا فقالوا في باديء النظر بسبع سموات كل سماء لكوكب من هاتك الكواكب ولا يلزمنا البحث عما قالوا في الثواب وفي المحرك لها وللسبع بالحركة اليومية إذ هو وراء ما نحن فيه واعترض بأن هذا لا يتم إلا إذا كانوا قائلين بأن السماء عبارة عن الفلك وأنها تتحرك على الاستدارة ويكون أوجها حضيضًا وحضيضها أوجًا ولعلهم لا يقولون بذلك وإنما يقولون كبعض السلف من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أن السماء ساكنة والكوكب متحرك والفلك إنما هو مجراه وحينئذ فيجوز أن تكون السبع على اختلاف حركاتها وأبعادها في ثخن سماء واحدة تجري في أفلاك ومجار لها على الوجه المحسوس ويجوز أيضًا غير ذلك كمالًا يخفى وأيضًا لو كان علمهم بذلك مما ذكر لقالوا بالتداوير ونحوها أيضًا كما قال بذلك أهل الهيئة السالفون لأن اختلاف الحركات يقتضيه بزعمهم لا سيما في المتحيرة ولو كان العرب قائلين به لوقع في أشعارهم بل لا يبعد أنه لو ذكر لهم ذاكر التداوير والمتممات الحاوية والمحوية مثلًا لنسبوه إلى ما يكره وقيل إنهم ورثوا علم ذلك عن أسلافهم السامعين له ممن يعتقدون صدقه كإسماعيل عليه السلام ويجوز أن يكونوا سمعوه من أهل الكتاب ولما لم يروه منافيًا لما هم عليه اعتقدوه ويكفي في صحة التقرير هذا المقدار من العلم وتعقب بأنه على هذا لا تنتظم المتعاطفات المقر بها في سل واحد من العلم والأمر فيه سهل وقيل نزلوا منزلة العالمين به لظهور دليله وهو اخبار من دلت المعجزة على صدقه به وفيه بعد وقيل الخطاب للناس مؤمنيهم ومشركيهم وغلب المؤمنون على غيرهم في التقرير المقتضي لسابقيه العلم وهو كما ترى واختار بعض أن العطف على ما يقتضيه الإنكار التقريري فيكون الكلام في قوة قد جعلنا الأرض إلى آخره وبنينا فوقكم سبعًا شدادًا وهو حينئذ ابتداه اخبار منه عز وجل بالبناء المذكور فلا يقتضي سابقية علم وتعقب بأن العطف على الفعل المنفي بلم أوفق بالاستدلال بالمذكورات على صحة البعث كما لا يخفى فتأمل وتقديم الظرف على المفعول للتشويق إليه مع مراعاة الفواصل.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8